عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

فصل النون والتاء

ن ت ق :

قوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ)(١). نتق الشيء : جذبه ونزعه حتى يسترخي ، كنتق عرى الحمل. ومنه استعير : امرأة ناتق : إذا كثر ولدها. ومنه قيل : زند ناتق ، أي وار تشبيها بذلك.

أبو عبيدة : زعزعناه واستخرجناه من مقرّه. وكلّ شيء قلعته ورميت به فقد نتقته. ونتقت الشيء : نقضته. وهو يرجع إلى معنى الرمي.

وقال غيره : نتقناه : رفعناه بدليل قوله (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ)(٢). ابن الأعرابيّ : الناتق : الرافع ، والناتق : الباسط ، والناتق : الفاتق. وامرأة ناتق ومنتاق : كثيرة الولد. القتيبيّ : أخذ ذلك من نتق السقاء ، وهو نفضه حتى يقتلع الزّبدة منه. قال : وقوله (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ) كأنه قلع من أصله.

ابن اليزيدي : نتق الجراب : نثر ما فيها. وفي حديث علي رضي الله تعالى عنه : «البيت المعمور نتاق الكعبة من فوقها» (٣) أي هو مطلّ عليها. قال القتيبيّ : هو من قوله : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ).

فصل النون والثاء

ن ث ر :

قوله تعالى : (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ)(٤) أي تفرّقت ورمي بها من مقارّها ، ونثر الشيء : نشره. يقال (٥) : نثرته فانتثر ، ويقال : نثر السكر نثرة ، بالضم ونثر الماء نثرة بالكسر.

__________________

(١) ١٧١ / الأعراف : ٧.

(٢) ٦٣ / البقرة : ٢.

(٣) النهاية : ٥ / ١٣.

(٤) ٢ / الإنفطار : ٨٢.

(٥) في الأصل : إذا نثرته.

١٦١

وفي الحديث : «إذا توضأت فانثر» (١) وفي آخر «فاستنثر» أي استنشق. وحقيقته اجعل الماء في أنفك. والأنف يقال له : نثرة. وقيل : هي طرفه. والنّثرة أيضا : نجم معروف ، لأنه بمنزلة نجم آخر يقال له الأسد. ويقال للدرع إذا لبس : نثرة. وذلك لنشرها عند لبسها.

وفي الحديث : «أيوافقكم العدوّ حلب شاة نثور؟» (٢) أي غزيرة اللبن ، كأنها تنثر اللبن. ونثرت (٣) : طرحت الأذى من أنفها. والنّثرة أيضا : ما يسيل من الأنف. وقد طعنه فأنثره ، أي ألقاه على نثرته ، أي أنفه. والاستنثار : جعل الماء في نثرته.

وفي حديث المجادلة ، وهي حوله : «فلما خلا سنّي ، ونثرت له ذا بطني» (٤) أرادت : كنت شابة ألد له.

وفي حديث ابن عباس : «الجراد نثرة الحوت» (٥) أي ، عطسته. وفي حديث أمّ زرع : «ويميس في حلق النّثرة» (٦) أي ، يتبختر في حلق الدرع. وهو ما لطف منها.

فصل النون والجيم

ن ج د :

قوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)(٧) أي عرّفناه طريقي الخير والشرّ كقوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)(٨).

وأصل النجد المكان الغليظ المرتفع ، وجمعها نجاد. فجعل طريق الخير والشرّ ، وإن

__________________

(١) الحديثان في النهاية : ٥ / ١٥.

(٢) المصدر السابق.

(٣) يعني الشاة.

(٤) النهاية : ٥ / ١٥.

(٥) المصدر السابق.

(٦) المصدر السابق.

(٧) ١٠ / البلد : ٩٠.

(٨) ٣ / الإنسان : ٧٦.

١٦٢

كانت معنوية بمنزلة الطريق الحسّية. ومن ذلك نجد للمكان المرفوع ، لأنه مرتفع عن التهائم (١). قال الشاعر : [من الطويل]

فإن تدعي نجدا أدعه ومن به

وإن تسألي نجدا فيا حبّذا نجد

وقال مجاهد : النجدان هنا : الثّديان ، أي ألهمناه أن يلتقمهما فيرضع منهما. وقيل : بينّا له طريق الحقّ والباطل في الاعتقاد ، والصدق والكذب في المقال ، والجميل والقبيح في الفعال.

والنجاد : حميلة السيف ، وبها كني عن طول القامة. قولهم فلان رفيع العماد ، طويل النّجاد ، كثير الرماد. قال الشاعر (٢) : [من الكامل]

قصرت حمائله عليه فقلصت

ولقد تحفّظ قينها فأطالها

وفي حديث الشورى : «وكانت امرأة نجودا» (٣) أي ذات رأي. وفي حديث : «إلّا من أعطى في نجدتها ورسلها» (٤). قال أبو عبيد : نجدتها : كثرة شحومها حتى تمتنع به أن ينحرها ضنّا بها ، فكان ذلك بمنزلة السلاح لها.

والنجدة : الإعانة. واستنجدته : طلبت نجدته فأنجدني ، أي أعانني بنجدته. واستنجد فلان أي ، قوي. وقيل للمكروب : منجد (٥) ، كأنه نالته نجدة ، أي شدّة. ونجده الدهر حنكه لكثرة نجادته. وقيل : معناه قوّاه وشدّده ، وذلك لما رأى فيه من التجربة. ومنه : هو ابن نجدة كذا.

والنّجاد : ما يرفع به البيت. والنّجّاد : متّخذه. والنجاد أيضا : ما يرفع به السّيف من ستر ونحوه.

__________________

(١) التهامة : أسفل النجد.

(٢) كذا!

(٣) النهاية : ٥ / ١٩.

(٤) النهاية : ٥ / ١٨.

(٥) وفي اللسان منجود ، ولعله أصوب.

١٦٣

والنّاجود : الراووق ، شيء يعلّق ويصفّى به الشراب ، وأنشد لعلقمة بن عبدة : [من البسيط]

ظلّت ترقرق في الناجود يصفقها

وليد أعجم بالكتّان مغروم

ورجل نجد ونجد ونجيد ، أي : شجاع قويّ لما فيه من النجدة ، وأنشد للنابغة الذبياني (١) : [من البسيط]

فهاب ضمران منه ، حين يوزعه

طعن المعارك ، عند المحجر ، النّجد

ونجدت البيت : زينته بالفرش. ومنه الحديث : «وعليها مناجد من ذهب» (٢) ، قال أبو عبيدة : هي الحلي المكلّل بالفصوص. وقيل : هي قلائد من لؤلؤ وذهب وقرنفل ، كأنها من نجاد السيف ، الواحد منجد ، بكسر الميم (٣). وفي آخر : «أنّه عليه الصّلاة والسّلام أذن في قطع المنجدة» (٤) يعني من الحرم. والمنجدة : عصا تساق بها الدابّة.

وسميّ النّجاد نجادا لأنه يرفع الثياب بحشوها. وفي الحديث : «وعلى أكتافها ـ يعني الإبل ـ مثل النواجد شحما» (٥) أي طرائق الشّحم. والواحد ناجدة ، قيل ذلك لارتفاعها.

ن ج س :

قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(٦) أي ذوو نجس. وقيل : جعلهم نجسا مبالغة. وقيل : النّجس : كلّ مستقذر. فإذا قرن بقولهم : رجس وجب كسر فائه وسكون عينه ليسا قرينة (٧). فيقال : هذا نجس رجس.

__________________

(١) الديوان : ٩.

(٢) النهاية : ٥ / ١٩.

(٣) وضبطها ابن الأثير بفتحها.

(٤) النهاية : ٥ / ١٩ ، يعني من شجر الحرم.

(٥) المصدر السابق.

(٦) ٢٨ / التوبة : ٩.

(٧) التركيب غير متفق ، ولعله يريد لمكان القرينة ، أو على إتباع القرينة.

١٦٤

قال بعضهم : النجاسة : القذارة ، وهي ضربان : ضرب يدرك بالحاسّة ، وضرب يدرك بالبصيرة. وعلى الأول وصف الله المشركين بالنجس.

وقيل : نجّسه : جعله نجسا ، وعلى الثاني تنجيس العرب ، وهو شيء كانوا يعلّقونه على الصبيّ من عوذة ، ليدفعوا بها نجاسة الشيطان. والناجس والنّجيس : داء لا دواء له. ويقال : نجس ينجس ، ونجّس ينجّس.

ن ج ل :

قوله تعالى : (التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ)(١) والإنجيل : أحد الكتب الأربعة. المنزل على عيسى ابن مريم. وأكثره مواعظ وأمثال ، وأحكامه قليلة جدا ، لأنّ عيسى جاء مقرّرا لأحكام التوراة إلا يسيرا. واختلف الناس فيه هل له اشتقاق أم لا؟ والظاهر لا اشتقاق له لأنه أعجميّ. ثمّ القائلون باشتقاقه اختلفوا ؛ فقال بعضهم : سمي لاستخراجه من عند الله تعالى على يد عيسى عليه‌السلام. ومنه النجيل لخروجه من الأرض ، ومنه قيل للولد : نجل. وأنشد (٢) : [من المنسرح]

أنجب أيّام والديه به

إذ نجلاه ، فنعم ما نجلا

ومنه الحديث : «كان يطلب نجلها» (٣) أي ولدها. ومنه قولهم : قبّح الله ناجليه أي ، والديه. وقال آخرون : من النّجل ، وهو الماء الذي ينزّ من الأرض ، يعني أنه يشبه الماء الذي ينزّ ، من وجهين : كونه مستخرجا ، وكونه يحيي به النفوس كما يحيي بالماء. ومنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها «وكان واديها ـ يعني المدينة ـ نجلا يجري» (٤).

وقال آخرون : الإنجيل : كلّ كتاب مسطور وافر السطور ، قاله شمر. فعلى هذا يكون

__________________

(١) ٣ / آل عمران : ٣ ، وغيرها.

(٢) البيت للأعشى كما في الديوان : ٢٣٥ ، وقد نسب الإنجاب إلى الأيام. كما تقول : نام ليل فلان ، وتريد أنه الذي نام.

(٣) النهاية : ٥ / ٢٣ ، والحديث للزّهري عن كلبة صائدة يطلب لها الفحولة.

(٤) النهاية : ٥ / ٢٣ ، وفيه : «.. يجري نجلا» ، أي نزّا.

١٦٥

علما بالغلبة. وقال بعضهم : هو من قولهم : نجل ، أي علم. وأنشد لبلغاء بني قيس : [من الكامل]

* وانجل في ذاك الصنيع كما نجل*

أي اعمل واصنع. وفي الحديث : «أناجيلهم في صدورهم» (١) يعني كتبهم. وذلك إشارة إلى أن أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحفظون القرآن عن ظهر قلب ، بخلاف غيرهم ، فإنه لا يحفظ كتابهم إلا نبيّ واحد نادر. ولذلك لما أنكر العزير قومه قال : دليلي أني أحفظ التوراة. وكان لا يحفظها إلا هو في قصة مشهورة (٢).

ن ج م :

قوله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(٣) قيل : النجم : ما لا ساق له كاليقطين والقثّاء والبطيخ ، والشجر ماله ساق. قوله : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى)(٤) قيل : أراد به جنس كوكب فدلّ بالواحد على الجمع ، وقيل : أراد كوكبا بعينه وهو الثريا. وقد صار علما غالبا عليها كالعيّوق (٥) والدّبران (٦). ومنه قول العرب : [من مجزوء الرمل]

طلع النجم غذيّه

وابتغى الراعي شكيّه

قيل : وإنما نصّ الله تعالى على هويه دون طلوعه ، لأنّ الطلوع قد فهم من نفس مادة النجم. يقال : نجم قرن الشاة ، أي طلع. وقيل : أراد به القرآن ، وبهويه نزوله على سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن القرآن نزل نجوما ، أي مفرّقا كقوله : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ)(٧). ومنه نجوم الكتابة لأنها مفرّقة في الإيتاء.

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٣ ، وفيه : «.. صدورهم في أناجيلهم» ، وهو في صفة الصحابة.

(٢) مذكورة في كتب التفاسير ، وفي معجم أعلام القرآن.

(٣) ٦ / الرحمن : ٥٥.

(٤) ١ / النجم : ٥٣.

(٥) العيوق : نجم أحمر مضيء في طرف المجرّة الأيمن يتلو الثريا ولا يتقدمها.

(٦) الدّبران : منزل للقمر مشتمل على خمسة كواكب في برج الثور ، سمي بذلك لأنه يتبع الثريا.

(٧) ١٠٦ / الإسراء : ١٧.

١٦٦

قوله تعالى : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)(١) قيل : أراد به نجما بعينه كالنجم والفرقدين والثّريا ونحوهما ، ممّا يستدلّ به على المسير لجهة خاصة. ويجوز أن يريد به جنس النّجوم ، فصار النجم يطلق على الكوكب تارة وعلى المصدر أخرى ، إما بطريق الاشتراك ، وإما بطريق التسمية بالمصدر. وكذا لفظ النجوم يطلق على جمع النجم تارة وعلى المصدر أخرى ، ثمّ شبه طلوع النبات والرأي بطلوع الكوكب فقيل : نجم النبات ، والنبات نفسه نجم كما مرّ ، وإن اختصّ بنوع من النبات مما لا ساق له. ونجم له رأي ، أي طلع وظهر. وقيل هذا في قوله (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ)(٢) أي فيما نجم له من الرأي. وليس بظاهر ، بل معناه أنه ورّى لهم بذلك. وذلك أن القوم كانوا يقولون بعلم النجوم ، فقال لهم : إني نظرت في علم النجوم وظهر لي أني سأسقم. وقصد بذلك التخلف في البيوت يوم عيدهم ، ليفعل ما فعل من حطم الأصنام كما في القصة المشهورة. ويجوز أن يريد في النجم الفلانيّ ، فدلّني على سقمي أي على زعمكم. وإلا فأنبياء الله مبرّؤون من ذلك ، لا سيّما خليل الرحمن.

ونجّمت المال على فلان : فرّقته عليه في الأداء. وأصله أن يفرض قسطا عند طلوع النجم الفلانيّ مثلا ، ثم صار مطلقا في كلّ تفريق وإن لم يكن بطلوع نجم.

قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ)(٣) فسّر بنجوم القرآن وبالكواكب. ويؤيد الأول قوله : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ ـ لَوْ تَعْلَمُونَ ـ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)(٤).

ن ج و :

قوله تعالى : (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا)(٥) أي خلّصناهم. وأصل النجاة الانفصال من الشيء والتقصّي منه. وذلك أنّ النجاة في الأصل المكان المرتفع ، لأنه خلّص عمّا حواليه

__________________

(١) ١٦ / النحل : ١٦.

(٢) ٨٨ / الصافات : ٣٧.

(٣) ٧٥ / الواقعة : ٥٦.

(٤) الآيتان بعدها.

(٥) ٥٣ / النمل : ٢٧.

١٦٧

من الأمكنة. وقيل : لأنه نجا من السّيل. والناجي كأنه حلّ في ذلك المكان ، ثم أطلق على كلّ خلاص.

قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ)(١) أي نلقيك على نجوة من الأرض ليراك الناس فيعرفوك. وذلك أنه لمّا أغرق الله فرعون وملأه ، قال بنو إسرائيل : لم يغرق فرعون. فسأل موسى ربّه ، فلفظه البحر من جوفه على ربوة من الأرض ، وعليه درعه المعروفة. وهي التي عنى بها الباري تعالى في قوله (بِبَدَنِكَ) أي عريانا مجرّدا من ثيابك ليعرفك الخاصّ والعامّ.

ونجّيته وأنجيته لغتان ، وقد قرئتا. والتّنجية : الإزالة. ومنه قشر الشجرة (٢) وجلد الشاة : سلخته. وأنشد قول الشاعر (٣) : [من الطويل]

فقلت : انجوا عنها نجا الجلد إنه

سيرضيكما منها سنام وغاربه

قوله تعالى : (وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى)(٤) التّناجي : المسرّة. وناجيت فلانا : ساررته. وأصله أن تخلو به في نجوة من الأرض لتفشي سرّك. وقيل : من النجاة ، لأنه قد قد يعاونك فتخلص من الهمّ. وقيل : لنجاتك بسرّك من أن يطّلع عليه أحد.

قوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ)(٥) يجوز أن يكون النّجوى مصدرا مضافا لفاعله ، وهو ثلاثة ، وأن يكون مرادا به الأشخاص ، ويكون «ثلاثة» بدلا منها حسبما بينّاه في غير هذا الموضع. ويدلّ للثاني (وَإِذْ هُمْ نَجْوى)(٦) أي متناجون. وللقائل بالأول أن يقدّر «وإذ هم نجوى».

__________________

(١) ٩٢ / يونس : ١٠.

(٢) يريد : نجوت قشر الشجرة.

(٣) قاله الشاعر يخاطب ضيفين طرقاه ، كما في اللسان ـ مادة نجا. قال الفراء : أضاف النجا إلى الجلد لأن العرب تضيف الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان.

(٤) ٩ / المجادلة : ٥٨.

(٥) ٧ / المجادلة : ٥٨.

(٦) ٤٧ / الإسراء : ١٧.

١٦٨

قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(١) النّجوى هنا مصدر فقط. وقد فسّرت بقوله تعالى : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) الآية. وإنما قال تعالى : (وَأَسَرُّوا) مع لفظ (النَّجْوَى) منبهة أنّهم لم يظهروا ذلك بوجه من الوجوه ، لأنّ النّجوى ربما تظهر. فبالغوا بإخفائها ، فلله درّ فصاحة القرآن!

قوله : (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا)(٢) أي : مناجيا لربّه ، أي مناجى من ربّه حسبما شرحه في قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)(٣). فنجيّ فعيل إمّا بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول. ويقع وصفا للفاعل كما مرّ ، وللجمع كقوله تعالى : (خَلَصُوا نَجِيًّا)(٤) أي متناجين يتسارّون فيما يفعلونه ويقولونه لأبيهم. ومعنى خلصوا أي انفردوا عن كلّ أحد. ولا نجد لمحض الرأي واستخراج زبدته أعوز من الخلوة وقلّة اللفظ.

وانتجيت زيدا : استخلصته لسرّي. وأنجى فلان : أتى نجوة (٥) وهم في أرض نجاة ، أي في أرض مستنجى من شجرها العصيّ والقسيّ. والنّجا عند العرب : عيدان قد قشرته.

وقال بعضهم : نجوت فلانا : استنكهته ، واحتجّ بقول الشاعر (٦) : [من الوافر]

نجوت مجالدا فوجدت منه

كريح الكلب ، مات حديث عهد

وكأنّ هذا القائل إنما أخذ ذلك من مجرد هذا البيت فأثبته لغة. قال الراغب (٧) : فإن يكن حمل نجوت على هذا المعنى من أجل هذا البيت فليس في البيت حجة. وإنما أراد أني ساررته فوجدت من بخره ريح الكلب الميت. وكنّى بالنجو عن الأذى الخارج.

ومنه شرب دواء فما أنجاه ، أي لم يفده. والاستنجاء : قطع النجو وإزالته. وأصل

__________________

(١) ٣ / الأنبياء : ٢١.

(٢) ٥٢ / مريم : ١٩.

(٣) ١٦٤ / النساء : ٤.

(٤) ٨٠ / يوسف : ١٢.

(٥) في النص اضطراب ، قومناه من المفردات : ٤٨٤.

(٦) البيت من شواهد اللسان ـ مادة نجا ، والمفردات : ٤٨٤.

(٧) المفردات : ٤٨٤ ، وقد أنقص الناسخ كلاما للراغب فأكملناه.

١٦٩

ذلك من النّجوة : الأرض المرتفعة التي تقضى بها الحاجة ، كما كني بالغائط عن ذلك ، وهو المكان المطمئنّ الذي يؤتى لقضاء الحاجة. وقيل : معنى استنجى طلب نجوة أي قطعة مدر لإزالة الأذى ، كقولهم : استجمر ، أي طلب جمارا ، أي أحجارا. وأما النّجأة (١) ، بالهمزة ، فالإصابة بالعين ، ومنه الحديث : «ردّوا نجأة السائل باللقمة» (٢).

قوله : (خَلَصُوا نَجِيًّا) قد تقدم أنه بمعنى متناجين ، وأنه وصف على فعيل. قال الهرويّ : هو مصدر كالصّهيل والسّهيق ، يقع على الواحد والجماعة نحو : رجل عدل. ومنه (خَلَصُوا نَجِيًّا). وأنشد لوقوعه على الجمع قول جرير (٣) : [من الكامل]

يعلو النّجيّ إذا النّجيّ أضجّهم

أمر تضيق به الصدور ، جليل

قلت : وجه الشاهد عود ضمير جماعة الذكور في قوله : أضجّهم ، على لفظ النجيّ.

ثم حكي عن الأزهريّ أنّ نجيا جمع أنجية ، وكذلك قوله : (نَجْوى). قال : وقيل : نجيّ جمع ناج نحو : ناد ونديّ لأهل المجلس ، وعار وعريّ وحاجّ وحجيج. وفيما قاله نظر ، ليس هذا موضعه.

وفي الحديث «أتوك على نواج» (٤) وهو جمع ناجية ، يعني إبلا مسرعات. يقال : نجوت نجا أنجو (٥) أي أسرعت. وفي الحديث أيضا : «إذا سافرتم في الجدب فاستنجوا» (٦) أي أسرعوا. وفي آخر «وإني لفي عذق أنجي منه رطبا» (٧) ، وفي رواية «أستنجي» ومعناها : ألتقط. واستنجيت النّخلة : لقطتها. وقد أدخل الهرويّ لفظ نجي في مادة (ن ج ي) بعد ما ذكره في مادة (ن ج و) والصواب ذكره في ذوات الواو. والله أعلم.

__________________

(١) المفروض أنها في مادة ن ج أ.

(٢) النهاية : ٥ / ١٧. ويقال للرجل الشديد الإصابة بالعين : إنه لنجوء.

(٣) الديوان : ٤٧٤.

(٤) النهاية : ٥ / ٢٥ ، يريد : قلص نواج.

(٥) وفي الأصل : ينجو.

(٦) النهاية : ٥ / ٢٥.

(٧) النهاية : ٥ / ٢٦.

١٧٠

فصل النون والحاء

ن ح ب :

قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ)(١) أي قضى نذره ، كأنه ألزم نفسه أن يموت فوفى بنذره. وفي الحديث : «طلحة ممّن قضى نحبه» (٢). وذلك أنّه وعد أن يصدق أعداء الله في القتال فوفى بذلك. وتعبيرهم بذلك عن الموت كالتعبير عنه : قضى أجله ، واستوفى أكله ، وقضى من الدنيا وطره.

والنّحاب : السّعال. والنحيب : البكاء معه صوت. وتناحب القوم : تواعدوا للقتال وغيره. وتناحبوا : تراهنوا. وتناحبوا : تفاخروا. وتناحبوا : تنافروا لمن يحكم بينهم. ومنه قول طلحة لابن عباس : «أنا حبك وترفع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟» (٣) وفي الحديث : «لو يعلم الناس ما في الصفّ الأول لا قتتلوا عليه ، وما تقدّموا إلا بنحبة» (٤) أي بقرعة. والتناحب : القمار لما فيه من المساهمة.

ن ح ت :

قوله تعالى : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً)(٥) النحت : الأخذ من الشيء لتجعله على صورة مخصوصة ، كنحت النّحيت والصّنم والبيت من خشب وحجر ونحوهما. ويكون في الأجسام الصلبة المحتملة لذلك. وقد يتجوّز به في غيرها. ومنه قول النحاة في باب النّسب ، مسألة النحت وهو أن يأخذوا من مجموع اسمين لفظا ، ينحتونه ثم ينسبونه إليه ، كقولهم في النسب إلى امرىء القيس : مرقسي ، وإلى عبد القيس : عبقسي ، وإلى عبد شمس : عبشمي. وأنشدوا (٦) : [من الطويل]

__________________

(١) ٢٣ / الأحزاب : ٣٣.

(٢) النهاية : ٥ / ٢٦.

(٣) النهاية : ٥ / ٢٧ ، ومطلع الحديث : «هل لك أن أناحبك ..؟».

(٤) المصدر السابق.

(٥) ٧٤ / الأعراف : ٧.

(٦) البيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي قاله حين وقع في الأسر (شرح المفصل : ٥ / ٩٧ ، جمهرة اللغة : ٢ / ٢٢٥).

١٧١

وتضحك مني شيخة عبشمية

كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

وفي هذا البيت أربعة شواهد لمسائل نحوية ، بيّنّاها في غير هذا الموضع (١).

والنّحاتة : ما يسقط من الشيء المنحوت. والنّحيت : الشيء المنحوت. والنّحيتة : الطبيعة التي جبل عليها الآدميّ ، وطبع عليها كأنه نحت عليها ، كما أن الغريزة ما غرز عليها الإنسان. وهو مجاز عن اتخاذه وخلقه كذلك.

ن ح ر :

قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)(٢) قيل : المراد انحر الضّحايا. والنحر : قطع الشيء المنحور ، وأصله من نحرت ، أي أصبت نحره ، نحو ركبته ، أي أصبت ركبته ، والنحر في الإبل غالبا ، والذّبح في البقر والغنم. وقرأ عبد الله بن مسعود «فنحروها» موضع (فَذَبَحُوها)(٣) ، وهو تفسير ودفع توهّم من يتوهّم خلاف ذلك.

وقيل : «انحر» اجعل يديك على صدرك تحت نحرك في الصلاة. وقيل : «انحر» انتصب بنحرك. قال المبرد : أراد القبلة ، فإذا انتصب الإنسان في صلاته فنهد قيل : قد نحر. قال بعضهم : حثّ على مراعاة هذين الرّكنين ، وهما الصلاة ونحر الهدي. فإنه لا بدّ من تعاطيهما. فذلك واجب في كلّ ملّة. وهذا عند من يرى وجوب الأضحية أو الإهداء إلى البيت. وقيل : معناه حثّ الإنسان على قتل نفسه بقمعها عن شهواتها ، فذلك نحرها. فهو تفسير صوفيّ.

والنّحر من الآدميّ موضع القلادة ، وتفرته (٤) : الفرجة بين العظمتين. والنّحرير : الحاذق بالشيء العالم به. ومنه الحديث : «وكّلت الفتنة بثلاثة : بالحادّ النّحرير» (٥) أي الفطن الحاذق ، كأنه ينحر نفسه اجتهادا فيما يعانيه.

__________________

(١) والذي يهم هنا أنه شاهد على النحت. وانظر للتفصيل فيه : شرح المفصل : ٥ / ٣٦ و ٩٧ ، والمغني : ٢٧٧ ...

(٢) ٢ / الكوثر : ١٠٨.

(٣) ٧١ / البقرة : ٢.

(٤) التفرة : الدائرة تحت الأنف في وسط الشفة العليا. وقال ابن الأعرابي : تفرة ، وتفرة ، وتفرة.

(٥) النهاية : ٥ / ٢٨.

١٧٢

وانتحروا على كذا : تقاتلوا ، تشبيها بنحر البعير ، ونحرة الشهر ونحيره (١) : أوّله. وقيل : آخر يوم منه ، كأنه ينحر الذي قبله. وأنشد بعضهم : [من البسيط]

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه

وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة

وصيّر العالم النحرير زنديقا

والنّحرير بكسر الفاء ، وفتحها خطأ. ويقال : نحرير بيّن النّحريرة. فالنحريرة اسم للمصدر.

ن ح س :

قوله تعالى : (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ)(٢) أي مشؤوم. وكذا قوله (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ)(٣) إلا أنه لم يقرأ (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) إلا بالإضافة وسكون العين ، ولم يقرأ (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) إلا بالتنوين والوصفية مع سكون العين وكسرها. والمقتضى لذلك أنه وصف الأيام بكونها مشؤومات في أنفسها. لما حلّ فيها من الشّؤم. وأما قوله (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) فالمراد إضافة الزمان إلى العذاب الموصوف بالنحس. والنحس ضدّ السّعد. فإن قيل : كيف قيل في موضع (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) وفي آخر (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) فأفرد هنا وجمع هناك وأضاف الزمان هنا ووصفه بالنحس هناك؟ ولم تخصّص كلّ موضع بذلك؟ ولم التزم سكون العين مع الإفراد وقرىء بالوجهين مع الجمع من أنّ القصة واحدة والمرسل نبيّ واحد (٤) وهو الريح الصّرصر؟ الجواب على سبيل الاختصار أنه لمّا لم يذكر العذاب في سورة القمر ناسب إضافته إليه تقديرا ، وأنّ المقام في (فُصِّلَتْ)(٥) يقتضي التهويل على قريش فناسب الجمع.

__________________

(١) وفي الأصل : وبعيره. وهو وهم.

(٢) ١٩ / القمر : ٥٤.

(٣) ١٦ / فصلت : ٤١. وقرى «نحسات».

(٤) الظاهر أن في التركيب سهوا.

(٥) في الأصل «حم» وهو سهو ، إذ ليس فيها ذكر للمقصود. وإنما أراد ب «حم» بدأها ، وإنما أراد الفصل بين سورة «القمر» وسورة «فصلت».

١٧٣

وأما السكون والكسر فلغتان مشهورتان ؛ يقال : يوم نحس ونحس ؛ بالسكون والكسر.

قوله : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ)(١) بالرفع عطف على شواظ وبالجرّ عطف على النار. وقد حقّقنا ذلك في غير هذا الموضع.

وقال بعضهم : وأصل النّحس أن يحمرّ الأفق فيصير كالنّحاس ، أي لهب بلا دخان ، فصار ذلك مثلا للشؤم ، من حيث إنّ تلك الحالة تدلّ على جدب الزمان وقحطه. والظاهر أنّ النّحاس هو الدّخان. يدلّ على ذلك قول الجعديّ (٢) : [من المتقارب]

يضيء كضوء سراج السلي

ط لم يجعل الله فيه نحاسا

أي دخانا.

ن ح ل :

قوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(٣) هذا الذباب المعروف. والواحد نحلة. والنحلة تقع على الذكر والأنثى نحو حمامة ونملة ونحامة (٤). وإنما يعرف التذكير والتأنيث بالوصف ، فيقال : نحلة ذكر ونحلة أنثى.

قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً)(٥) أي عطية هينة لا تعب فيها من مخاصمة ونحوها. واشتقاقها ممّا يخرجه النحل من العسل ، أي أعطوهنّ إياه حلوا سهلا ، على الاستعارة. وقال ابن عرفة : أي دينا انتحلوا ذلك. يقال : ما نحلتك؟ أي دينك. وكان الرجل في الجاهلية إذا زوّج مولاته أخذ لنفسه جعلا يسمى الحلوان والنافجة ، فنهى الله تعالى عن ذلك وأمر بإيتاء الصدقة للنساء.

__________________

(١) ٣٥ / الرحمن : ٥٥.

(٢) في الأصل منسوب إلى ذي الرمة ، وليس في ديوانه. ومعزو إلى الجعدي كما في اللسان ـ مادة نحس.

(٣) ٦٨ / النحل : ١٦.

(٤) النحامة : طائر أحمر على خلقة الإوز ، جمعه نحام.

(٥) ٤ / النساء : ٤.

١٧٤

ويقال : نحله وأنحله (١) بمعنى. وكذا النحلة أيضا ، بالفتح. قال الراغب (٢) : النّحلة والنّحلة ـ يعني بفتح النون وكسرها : العطية على سبيل التبرع. وهو أخصّ من الهبة. قال : واشتقاقه فيما أرى من النّحل ، نظرا منه إلى فعله ، فكأنّ نحلته : أعطيته عطية النّحل. وذلك ما نبّه عليه قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ). وقد بينه الحكماء وقالوا : إنّ النّحل يقع على الأشياء كلّها فلا يضرّها بوجه ، وينفع أعظم نفع. فإنّه يعطيهم ما هو الشفاء كما وصفه تعالى. قال : وسمّي الصّداق بها من حيث إنه لا يجب في مقابلته أكثر من تمتّع دون عوض مالي. وكذا عطيّة الرجل ابنه.

نحله كذا وأنحله ، ومنه نحلت المرأة. والانتحال : افتعال منه. وهو إدّعاء الشيء. ومنه انتحل شعر فلان. وأنشد (٣) : [من المتقارب]

فكيف أنا وانتحالي القوا

ونحل جسمه نحولا ، أي أشبه النحلة في الدّقة. والنّواحل : سيوف رقاق الظّبات من ذلك على التوسّع. قال : ويصحّ أن تكون النّحلة أصلا ، فسمي النحل بذلك اعتبارا بفعله.

وأيضا لاشتقاق النحل الذي هو الذّباب المعروف ، لما في فعله من إعطاء العسل الحكم الإلهيّ. ويجوز أن يكون بالعكس كما تقدّم تحريره.

ن ح ن :

قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ)(٤) نحن ضمير مرفوع منفصل يكون للمتكلم ، ومعه غيره كقوله حكاية عن قوم بلقيس : (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ)(٥). وتكون للمعظّم

__________________

(١) وفي الأصل : نحل.

(٢) المفردات : ٤٨٥.

(٣) صدر للأعشى (الديوان : ٥٣) وعجزه :

في ، بعد المشيب ، كفى ذاك عارا

وذكره ابن منظور بضم الراء.

(٤) ٢٣ / الحجر : ١٥.

(٥) ٣٣ / النمل : ٢٧.

١٧٥

نفسه كقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ)(١)(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) إلى غير ذلك.

قال الراغب (٢) : وما ورد في القرآن من إخبار الله عن نفسه بقوله : (نَحْنُ) فقد قيل : هو إخبار عن نفسه وحده ، لكن يخرج ذلك مخرج الإخبار الملوكيّ. وقال بعض العلماء : إنّ الله تعالى يذكر مثل هذه الألفاظ ، إذا كان الفعل المذكور بعده يفعل بواسطة بعض ملائكته أو بعض أوليائه. فيكون «نحن» عبارة عنه تعالى وعنهم ، وذلك كالوحي ونصرة المؤمنين وإهلاك الكافرين. ونحو ذلك.

وقوله : / (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ)(٣) يعني وقت المحتضر حين يشهده الرسل المذكورون. في قوله : (تَوَفَّاهُمُ [الْمَلائِكَةُ])(٤) وقوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) فما (٥) كان ذلك بواسطة القلم واللوح وجبريل كالوحي ونصرة المؤمنين وإهلاك الكافرين ، ونحو ذلك مما تتولاه الملائكة المذكورون بقوله : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً)(٦)(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً)(٧).

فصل النون والخاء

ن خ ر :

قوله تعالى : (كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً)(٨) أي بالية. من قولهم : نخرت الشجرة ، أي بليت حتى سمع فيها نخير الريح ، أي صوتها. يقال : نخر ينخر نخرا ونخيرا ، فهو نخر ، أي بلي ورمّ. وقد قرىء ناخرة (٩) وذلك نحو : حذر وحاذر. وقد قرىء للجميع حذرون ، وحاذرون (١٠). ولكن فعل أبلغ من فاعل.

__________________

(١) ٩ / الحجر : ١٥.

(٢) المفردات : ٤٨٥ ،

(٣) ٨٥ / الواقعة : ٥٦.

(٤) ٩٧ / النساء : ٤.

(٥) الفاء زائدة للتزيين والجملة مؤخرة ، أي هو يرفض تأويل بعض العلماء.

(٦) ٥ / النازعات : ٧٩.

(٧) ٤ / الذاريات : ٥١.

(٨) ١١ / النازعات : ٧٩.

(٩) روي أن عمر بن الخطاب قرأها كذلك ، وقرأها علي «نخرة» (معاني القرآن للفراء : ٣ / ٢٣١).

(١٠) قرأها ابن مسعود وابن ذكوان وهشام وعاصم وحمزة والكسائي ، وقرأها الباقون (حذرون) (في سورة ـ

١٧٦

وقيل : ناخرة بمعنى فارغة ، يجيء منها عند هبوب الريح كالنخير. والنّخير : صوت من الأنف. ويقال لمقدّم الأنف : نخرة ، ولخرقيه : نخرتاه ومنخراه.

وقيل : المنخران : ثقبتان. وأنشد : [من الطويل]

إذا سدّ منها منخر جاش منخر

«وقد أتي عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ بسكران في رمضان ، فقال : للمنخرين» (١). دعا عليه بأن يكبّه الله لمنخريه ، كقولهم : لليدين وللفم.

والناخر : ما يخرج منه النخير ، والناخر أيضا : الناقة التي لا تدرّ. وقيل : التي يدخل الإصبع في منخرها. والناخرة أيضا : جماعة الخيل. واحدتها ناخر. قال المبرد (٢) في تفسير حديث عمرو بن العاص : «وأنت على أكرم ناخرة» (٣) كما يقال : رجل حمّار وبغّال ولجماعته : حمّارة وبغّالة. يعني أنّ التاء أفادت الجمع. وفيه نظر.

ولما دخل الوفد من قريش على النجاشيّ قال لهم : «نخّروا» (٤). جاء مفسّرا في الحديث : أي تكلّموا. وهو مأخوذ من النّخير ، وهو الصوت.

ن خ ل :

قوله تعالى : (وَالنَّخْلَ)(٥) النخل معروف. وهو اسم جنس يفرّق بين واحده وجمعه بالتاء. ويذكّر ويؤنّث. فمن التذكير قوله (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(٦) ومن التأنيث (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ)(٧) ويجمع على نخيل أيضا.

__________________

ـ الشعراء ، الآية ٥٦) (معاني القرآن : ٢ / ٢٨٠). وذكر ابن خالويه أن ابن عمار وابن السميفع قرأاها «حادرون» بالدال المهملة ، وهي السمين القوي الشديد (مختصر الشواذ : ١١٠٦).

(١) النهاية : ٥ / ٣٢.

(٢) وفي النسخة ح : قاله المبرد.

(٣) النهاية : ٥ / ٣٢ ، اللسان ـ مادة نخر. وتمام الحديث : «ركب بغلة شمط وجهها هرما ، فقيل له : أتركب هذه وأنت على ...؟».

(٤) النهاية : ٥ / ٣٢ ، واللسان ـ مادة نخر. وفي الأصل : انخروا ، والتصويب منهما.

(٥) ١٠ / ق : ٥٠ ، وغيرها.

(٦) ٢٠ / القمر : ٥٤.

(٧) ٧ / الحاقة : ٦٩.

١٧٧

ولكرمها عندهم اشتقوا [من](١) لفظها ما يدلّ على اصطفاء الشيء. يقال : نخلت الشيء وانتخلته. ومنه : نخل الدقيق.

والمنخل : الآلة التي ينخل بها. وقد شذّ ضمّ ميمه ، والقياس كسرها وفتح عينه كمنجل. وله أخوات كالمسعط والمدقّ (٢).

وانتخلت الشيء : انتقيته ، وأخذت خياره. وفي الحديث : «لا يقبل الله إلا الناخلة» (٣) أي الخالصة من كلّ شيء. وفيه أيضا : «لا يقبل الله إلّا نخائل القلوب» (٤) أي النيات الخالصة (٥). ونخلت له النصيحة أي أخلصت له. وأنشد (٦) : [من الكامل]

نخلت له نفسي النّصيحة إنّه

عند الشدائد تذهب الأحقاد

فصل النون والدال

ن د د :

قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً)(٧) الأنداد جمع ندّ. وهو المثل المناوىء. وقال بعضهم : النّدّ أخصّ من المثل. قال : فإنّ الندّ هو المشارك للشيء في جوهره ، وذلك ضرب من المماثلة ؛ فإنّ المثل يقال في أيّ مشاركة كانت. وكلّ ندّ مثل ، وليس كلّ مثل ندّا. وقيل : لا يقال إلا للمثل المخالف المناوىء. وأنشد لجرير (٨) : [من الوافر]

__________________

(١) إضافة يقتضيها السياق.

(٢) المدق : ما دققت به الشيء ، ويقال له : المدقّ والمدقّة. وقال سيبويه : وهو أحد ما جاء من الأدوات التي يعمل بها على مفعل.

(٣) النهاية : ٥ / ٣٣ ، وفيه : «لا يقبل الله من الدعاء إلا الناخلة». وهنا فاعلة بمعنى مفعولة ؛ أي منخولة خالصة.

(٤) المصدر السابق.

(٥) يريد : النصيحة الخالصة.

(٦) المستقصى : ٢ / ١٦٨ ، وقد ذكره للمثل في عجزه.

(٧) ٢٢ / البقرة : ٢.

(٨) الديوان : ١٦٤. والنديد هنا : الشبيه. وفي الأصل : أتيما.

١٧٨

أتيم تجعلون إليّ ندّا

وهل تيم لذي حسب نديد؟

يقال : ندّ ونديد ونديدة ، على المبالغة وأنشد للبيد (١) : [من الطويل]

لكيما يكون السّندريّ نديدتي

وأجعل أقواما عموما عماعما

وقيل : هو بمعنى المثل من غير عموم ولا خصوص. وأنشد لحسّان (٢) : [من الوافر]

أتهجوه ولست له بندّ؟

فشرّكما لخيركما الفداء

وقال آخر (٣) : [من الرمل]

نحمد الله ، ولا ندّ له

عنده الخير ، وما شاء فعل

وهذا أولى ، لأنّ المطلوب النهي عن (٤) أن يجعل لله تعالى مثلا على الإطلاق ، لأنه لا يلزم من النّهي عن الأخصّ النهي عن الأعمّ.

وقيل : أندادا : نظراء ، وقيل : أضدادا ، قاله أبو عبيدة. وقال غيره : ليس كذلك ، بدليل قولهم : ليس لله ندّ ولا ضدّ. وقالوا في تفسيره : إنه نفى ما يسدّ مسدّه ، ونفى ما ينافيه ، فدلّ على أنهما غيران.

وناددت الرجل : خالفته ونافرته. ومنه : ندّ البعير ندودا. والنّدّ ، بالفتح : المرتفع من التلال ، وهو ضرب من الطّيب أيضا ، ليس بعربيّ الأصل.

وقرىء (يَوْمَ التَّنادِ)(٥) بتشديد الدال (٦) أي الفرار والتنافر. وهو كقوله في موضع

__________________

(١) الديوان : ٢٨٦ ، وفي الأصل : لكيلا.

(٢) الديوان : ٢ / ١٨. وفيه : له بكفء.

(٣) البيت للبيد (الديوان : ١٧٤) ، وروايته فيه :

أحمد الله فلا ندّ له

بيديه الخير ما شاء فعل

(٤) وفي س : من ، والأصل : على ، ولعل ما أثبتناه صواب.

(٥) ٣٢ / غافر : ٤٠.

(٦) قرأها ابن عباس والضحاك ، وقال : يندّون كما تندّ الإبل (مختصر الشواذ : ١٣٢).

١٧٩

آخر : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ)(١)(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا)(٢)(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)(٣) ونحو ذلك من الآي الكريمة.

ن د م :

قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)(٤) النّدم والنّدامة : التحسّر من تغيّر أمر في رأي فائت. قيل : وأصله : من منادمة الحزن له ، أي من مداومتها ومقارنتها ، من المنادمة على الشراب. ومنه قيل : نديم وندمان ومنادم ، لمن يداوم معك على الشراب.

وندمانا جذيمة المضروب بهما المثل رجلان يقال لهما : مالك وعقيل ، نادما الوضّاح دهرا طويلا ، فضرب بصفاء عيشهما المثل. قال الشاعر (٥) : [من الطويل]

ألم تعلمي أن قد تفرّق قبلنا

خليلا صفاء : مالك وعقيل؟

ولما مات سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تمثّلت فاطمة الزهراء ـ رضي الله تعالى عنها ـ بقول متمّم بن نويرة يرثي أخاه مالكا (٦) : [من الطويل]

وكنّا كندماني جذيمة ، حقبة

من الدهر ، حتى قيل : لن يتصدّعا

فلمّا تفرّقنا كأني ومالكا

لطول اجتماع ، لم نبت ليلة معا

وقوله ، عليه الصلاة والسّلام : (الندم توبة) (٧) أي معظمها الندم ، لأنّ لها ركنا آخر.

__________________

(١) ٣٤ / عبس : ٨٠.

(٢) ١٦٦ / البقرة : ٢.

(٣) ٦٧ / الزخرف : ٤٣.

(٤) ٣١ / المائدة : ٥.

(٥) الشاعر هو أبو خراش الهذلي مذكور في ديوان الهذليين : ٢ / ١١٦ ، تاريخ الطبري ١ / ٦١٧ ، وفيه : نديما صفاء.

(٦) م مفضلية له : ٢٦٧ ، ومذكوران في تاريخ الطبري : ٢ / ٦١٧ ، والبيت الثاني من كتب الشواهد النحوية.

(٧) أخرجه ابن حنبل ١ ، ٣٧٦ ، وابن ماجة ٣٠.

١٨٠